الدنيا ثلاثة أيام.. أما أمس فقد ذهب بما فيه وأما غدا فلعلك لا تدركه وأما اليوم فلك فاعمل فيه
مر مجنون على عابد يناجي ربه وهو يبكي والدموع منهمرة على خديه وهو يقول:
ربي لا تدخلني النار فارحمني وأرفق بي يا رحيم يا رحمن لا تعذبني بالنار إني ضعيف فلا قوة لي على تحمل النار فارحمني وجلدي
رقيق لا يستطيع تحمل حرارة النار فارحمني وعظمي دقيق لا يقوى على شدة النار فارحمني
ضحك المجنون بصوت مرتفع فالتفت إليه العابد قائلا:
ماذا يضحك أيها المجنون ؟؟
قال: كلامك أضحكني
فردّ العابد: وماذا يضحك فيه ؟
قال المجنون: لأنك تبكي خوفا من النار..
قال: وأنت ألا تخاف من النار ؟؟
قال المجنون : لا لا أخاف من النار
ضحك العابد وقال: صحيح أنك مجنون
قال المجنون : كيف تخاف من النار أيها العابد وعندك
رب رحيم رحمته وسعت كل شيء ؟
قال العابد : إن عليّ ذنوبا لو يؤاخذني الله بعدله لأدخلني
النار وإني أبكي كي يرحمني ويغفرلي ولا يحاسبني
بعدله بل بفضله ولطفه ورحمته حتى لا أدخل النار ؟؟
هنالك ضحك المجنون بصوت أعلى من المرة السابقة
انزعج العابد وقال: ما يضحك؟؟
قال: أيها العابد عندك ربّ عادل لا يجور وتخاف عدله ؟
عندك ربّ غفور رحيم تواب وتخاف ناره ؟؟
قال العابد: ألا تخاف من الله أيها المجنون ؟
قال المجنون: بلى إني أخاف الله ولكن خوفي ليس من ناره
تعجب العابد وقال: إذا لم يكن من ناره فممّ خوفك ؟
قال المجنون: إني أخاف من مواجهة ربي وسؤاله لي لماذا يا عبدي عصيتني ؟؟
فإن كنت من أهل النار فأتمنى أن يدخلني النار من غير
أن يسألني فعذاب النار أهون عندي من سؤاله سبحانه
فأنا لا أستطيع أن أنظر إليه بعين خائنة وأجيبه بلسان
كاذب.. إن كان دخولي النار يرضي حبيبي فلا بأس
تعجب العابد وأخذ يفكر في كلام هذا المجنون
قال المجنون: أيها العابد سأقول لك سرّا فلا تذعه لأحد
فقال العابد: ما هو هذا السرّ أيها المجنون العاقل ؟
فردّ المجنون: أيها العابد إن ربي لن يدخلني النار أتدري لماذا ؟؟
قال العابد: لماذا يا مجنون ؟
فردّ عليه: لأني عبدته حبّا وشوقا وأنت يا عابد عبدته
خوفا وطمعا وظني به أفضل من ظنك ورجائي منه أفضل
من رجائك فكن أيها العابد لما لا ترجو أفضل مما
ترجو فموسى عليه السلام ذهب لإحضار جذوة من النار ليتدفأ بها فرجع بالنبوة وأنا ذهبت لأرى جمال ربي فرجعت مجنونا
ذهب المجنون يضحك والعابد يبكي ويقول: لا أصدق
أن هذا مجنون فهذا أعقل العقلاء وأنا المجنون الحقيقي