<div><div style="margin: auto; text-align: center; width: 100%;"><strong>قصة إبراهيم خليل الرحمن<br><br><br><br><br>يروى أن ابراهيم عليه السلام <br>ولد ببابل و تزوج سارة و كانت عاقراً لا تلد ثم ارتحل هو و وزجته سارة و <br>ابن أخيه لوط قاصدين أرض الكنعانيين، وهي بلاد بيت المقدس، فأقاموا بحران <br>وكانوا يعبدون الكواكب السبعة. </strong> <strong><br><br>والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على <br>هذا الدين، يستقبلون القطب الشمالي، ويعبدون الكواكب ولهذا كان على كل باب <br>من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل بكوكب منها، ويعملون لها أعياداً <br>وقرابين. <br><br>وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام، وكل من كان <br>على وجه الأرض كانوا كفاراً، سوى إبراهيم الخليل، وامرأته، وابن أخيه لوط <br>عليهم السلام، وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور، <br>وأبطل به ذاك الضلال، فإن الله سبحانه وتعالى أتاه رشده في صغره، وابتعثه <br>رسولاً، واتخذه خليلاً في كبره قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ<br> رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} أي كان أهلاً لذلك. <br><br><br><br>وكان أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له، كما قال تعالى: </strong> <strong><br><br>{وَاذْكُرْ<br> فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ <br>قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ <br>وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً }. <br><br>فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه<br> من المحاورة والمجادلة، وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة، و بيـَّن له <br>بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها، ولا تبصر <br>مكانه، فكيف تغني عنه شيئاً، أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر؟ <br><br>ثم <br>قال منبهاً على ما أعطاه الله من الهدى، والعلم النافع، وإن كان أصغر سناً <br>من أبيه: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ<br> فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} أي: مستقيماً، واضحاً، سهلاً، <br>حنيفاً، يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك، فلما عرض هذا الرشد عليه، <br>وأهدى هذه النصيحة إليه، لم يقبلها منه ولا أخذها عنه، بل تهدده وتوعده. <br><br>{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} <br><br>{وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} أي: واقطعني وأطل هجراني. <br><br>فعندها<br> قال له إبراهيم: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ <br>كَانَ بِي حَفِيّاً} أي: لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذىً، بل أنت <br>سالم من ناحيتي، وزاده خيراً بأنى سأستغفر لك ربى الذى هداني لعبادته <br>والإخلاص له. <br><br>ولهذا قال: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ <br>دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي <br>شَقِيّاً} <br><br>وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته، <br>فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ <br>اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا <br>إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ <br>مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}. <br><br><br><br>ثم قال تعالى: </strong> <strong><br><br>{وَكَذَلِكَ<br> نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ <br>الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ <br>هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا <br>رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ<br> لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * <br>فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ <br>فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * <br>إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ <br>حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }. <br><br>وهذه مناظرة لقومه، <br>وبيان لهم أن هذه الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة لا تصلح للألوهية، <br>ولا أن تعبد مع الله عز وجل لأنها مخلوقة مربوبة، مصنوعة مدبرة، مسخرة، <br>تطلع تارة، وتأفل أخرى، فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء،<br> ولا تخفى عليه خافية، بل هو الدائم الباقي بلا زوال، لا إله إلا هو، ولا <br>رب سواه فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكواكب.، ثم ترقى منها إلى القمر الذي <br>هو أضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلى الشمس التي هي أشد الأجرام <br>المشاهدة ضياءً وسناءً وبهاءً، فبين أنها مسخرة، مسيرة مقدرة مربوبة. <br><br>والظاهر<br> أن موعظته هذه في الكواكب لأهل حران، فإنهم كان يعبدونهاوأما أهل بابل <br>فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها وكسرها عليهم، وأهانها<br> وبين بطلانها، كما قال تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ <br>اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ <br>يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ <br>بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} <br><br>وقال<br> في سورة الأنبياء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ <br>وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ <br>التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } <br><br><br><br>يخبر<br> الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام، أنه أنكر على قومه عبادة <br>الأوثان، وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها، فقال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ <br>الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} أي: معتكفون عندها وخاضعون لها. </strong> <strong><br><br>{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ} <br><br>ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد. <br><br>وقال<br> لهم: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ <br>أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} <br>سلموا له أنها لا تسمع داعياً، ولا تنفع ولا تضر شيئاً، وإنما الحامل لهم <br>على عبادتها الاقتداء بأسلافهم، ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال. <br><br><br><br>{قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} </strong> <strong><br><br>بل<br> إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ربكم ورب كل شيء، فاطر السماوات <br>والأرض، الخالق لهما على غير مثال سبق، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك <br>له، وأنا على ذلكم من الشاهدين. <br><br><br><br>ابراهيم عليه السلام يلقى فى النار</strong> <strong><br><br><br><br><br>وقوله:<br> {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا <br>مُدْبِرِينَ} أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها، بعد أن تولوا مدبرين <br>إلى عيدهم. </strong> <strong><br><br>قيل: إنه قال هذا خفية في نفسه، وقال ابن مسعود: سمعه <br>بعضهم. وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد، فدعاه أبوه<br> ليحضره فقال: إني سقيم. <br><br><br><br>كما قال تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} </strong> <strong><br><br>فلما<br> خرجوا إلى عيدهم واستقر هو في بلدهم، راغ إلى آلهتهم، أي: ذهب إليها <br>مسرعاً مستخفياً، فوجدها في بهو عظيم، وقد وضعوا بين أيديها أنواعاً من <br>الأطعمة قرباناً إليها. <br><br>فقال لها على سبيل التهكم والازدراء: <br>{أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ <br>ضَرْباً بِالْيَمِينِ} فكسرها بقدوم في يده كما قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ <br>جُذَاذاً} أي: حطاماً، كسرها كلها. <br><br>{إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ <br>لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} قيل: إنه وضع القدوم في يد الكبير، <br>إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار. فلما رجعوا من عيدهم ووجدوا ما <br>حل بمعبودهم {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ <br>الظَّالِمِينَ}. <br><br>وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون، وهو ما <br>حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها <br>بسوء، لكنهم قالوا من جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة ضلالهم وخبالهم: {قَالُوا <br>مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا <br>سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} أي: يذكرها <br>بالعيب والتنقص لها والإزدارء بها، فهو المقيم عليها والكاسر لها. <br><br>{قَالُوا<br> فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} أي: في <br>الملأ الأكبر على رؤوس الأشهاد، لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه، <br>ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه. <br><br>وكان هذا أكبر مقاصد الخليل عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم فيقيم على جميع عبّاد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه <br><br>فلما<br> اجتمعوا وجاؤوا به كما ذكروا، {قَالُوا أأنْتَ فَعَلْتَ هَذَا <br>بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا..} <br>قيل معناه: هو الحامل لي على تكسيرها، وإنما عرض لهم في القول: <br>{فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} <br><br>وإنما أراد بقوله هذا، أن يبادروا إلى القول بأن هذه لا تنطق، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات. <br><br>{فَرَجَعُوا<br> إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} أي: <br>فعادوا على أنفسهم بالملامة فقالوا: إنكم أنتم الظالمون، أي: في تركها لا <br>حافظ لها، ولا حارس عندها. <br><br>وقال قتادة: أدركت القوم حيرة سوء، أي: <br>فأطرقوا ثم قالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} أي: لقد <br>علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق، فكيف تأمرنا بسؤالها؟ فعند ذلك قال لهم <br>الخليل عليه السلام: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا <br>يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا <br>تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} <br><br><br><br>{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} </strong> <strong><br><br>عدلوا<br> عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا، ولم تبقَ لهم حجة ولا شبهة إلى <br>استعمال قوتهم وسلطانهم، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم، فكادهم <br>الرب جل جلاله وأعلى كلمته، ودينه وبرهانه كما قال تعالى: <br><br>{قَالُوا<br> حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا <br>يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ<br> كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}. <br><br>وذلك أنهم شرعوا يجمعون<br> حطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن، فمكثوا مدة يجمعون له، حتى أن المرأة<br> منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطباً لحريق إبراهيم، ثم عمدوا <br>إلى جوبة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب، وأطلقوا فيه النار، فاضطربت وتأججت <br>والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط. <br><br>ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام <br>في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له هزن، وكان أول من صنع <br>المجانيق فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، ثم أخذوا <br>يقيدونه ويكتفونه وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك، لك الحمد ولك الملك، لا<br> شريك لك، فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً، ثم<br> ألقوه منه إلى النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل. <br><br>ابن عباس أنه <br>قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم حين ألقي في النار. وقالها <br>محمد حين قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ <br>فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * <br>فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} <br><br>عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: <br><br>((لما ألقي إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك)). <br><br>وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال: ألك حاجة؟ <br><br>فقال: أما إليك فلا. <br><br>ويروى<br> عن ابن عباس، أنه قال: جعل ملك المطر يقول: متى أومر فأرسل المطر؟ فكان <br>أمر الله أسرع. {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى <br>إِبْرَاهِيمَ} <br><br>قال ابن عباس وأبو العالية: لولا أن الله قال: {وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} لأذى إبراهيم بردها. <br><br>وقال كعب الأحبار: لم ينتفع أهل الأرض يومئذ بنار، ولم يحرق منه سوى وثاقه. <br><br>وقال الضحاك: يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه، لم يصبه منها شيء غيره. <br><br>وقال<br> السدي: كان معه أيضاً ملك الظل، وصار إبراهيم عليه السلام في ميل الجوبة <br>حوله النار، وهو في روضة خضراء، والناس ينظرون إليه لا يقدرون على الوصول <br>إليه، ولا هو يخرج إليهم، فعن أبي هريرة أنه قال: أحسن كلمة قالها أبو <br>إبراهيم إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال: نعم الرب ربك يا إبراهيم. <br><br><br><br>وعن<br> المنهال بن عمرو أنه قال: أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما <br>خمسين يوماً، وأنه قال: ما كنت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها، <br>ووددت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها، صلوات الله وسلامه عليه. </strong> <strong><br><br><br><br>مناظرة إبراهيم الخليل مع النمرود</strong> <strong><br><br><br><br><br>هذه<br> هى مناظرة إبراهيم الخليل مع من أراد أن ينازع العظيم الجليل في العظمة <br>ورداء الكبرياء فادعى الربوبية، وهوَ أحدُ العبيد الضعفاء </strong> <strong><br><br><br><br>قال<br> الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ <br>أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي <br>يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ <br>فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ <br>الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ <br>الظَّالِمِينَ}. </strong> <strong><br><br>يذكر تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار <br>المتمرد الذي ادعى لنفسه الربوبية، فأبطل الخليل عليه دليله، وبين كثرة <br>جهله، وقلة عقله، وألجمه الحجة، وأوضح له طريق المحجة. <br><br>قال <br>المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار، وهذا الملك هو ملك بابل، واسمه <br>النمرود بن كنعان وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان <br>طغى وبغى، وتجبر وعتا، وآثر الحياة الدنيا. <br><br>ولما دعاه إبراهيم <br>الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال على إنكار وجود <br>الله تعالى، فحاجّ إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية. <br><br>فلما قال الخليل: (ربي الذي يحي ويميت قال: أنا أحي وأميت). <br><br>يعني أنه إذا آتى بالرجلين قد تحتم قتلهما، فإذا أمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر. <br><br><br><br>قَال:<br> {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ<br> الْمَغْرِبِ} أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها <br>ومسيرها وقاهرها. وهو الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء. فإن كنت كما زعمت من<br> أنك الذي تحي وتميت فأت بهذه الشمس من المغرب فإنّ الذي يحي ويميت هو الذي<br> يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء، ودان له كل شيء، فإن <br>كنت كما تزعم فافعل هذا، فإن لم تفعله فلست كما زعمت، وأنت تعلم وكل أحد، <br>أنك لا تقدر على شيء من هذا بل أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنتصر <br>منها. </strong> <strong><br><br>فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه، وبطلان ما سلكه وتبجح به<br> عند جهلة قومه، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به بل انقطع وسكت. ولهذا قال:<br> {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.<br> <br><br><br><br>قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبّار <br>ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه. ثم دعاه الثانية فأبى عليه. ثم دعاه<br> الثالثة فأبى عليه. </strong> <strong><br><br>وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي. <br><br>فجمع <br>النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذباباً بحيث لم يروا <br>عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاماً <br>باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره أربعمائة سنة، <br>عذبه الله تعالى بها فكان يُضْرَبُ رأسُه بالمرِازب في هذه المدة كلها حتى <br>أهلكه الله عز وجل بها. <br><br><br><br>هجرة الخليل عليه السلام إلى بلاد الشام، ودخوله مصر</strong> <strong><br><br><br><br><br>قال<br> الله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ<br> هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ <br>وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ <br>أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ}. </strong> <strong><br><br><br><br>لما<br> هجر قومه في الله وهاجر من بين أظهرهم وكانت امرأته عاقراً لا يولد لها، <br>ولم يكن له من الولد أحد بل معه ابن أخيه لوط ، وهبه الله تعالى بعد ذلك <br>الأولاد الصالحين، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، فكل نبي بعث بعده فهو من <br>ذريته، وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده فعلى أحد نسله <br>وعقبه، كرامة له من الله، حين ترك بلاده وأهله وأقرباءه، وهاجر إلى بلد <br>يتمكن فيها من عبادة ربه عز وجل، ودعوة الخلق إليه. </strong> <strong><br><br>والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام، وهي التي قال الله عز وجل: {إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}. <br><br><br><br>قصّة سارة مع الملك.</strong> <strong><br><br><br><br><br>عن<br> أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم لم يكذب قط إلا <br>ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله قوله {إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله {بَلْ فَعَلَهُ<br> كَبِيرُهُمْ هَذَا} وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة، إذ نزل <br>منزلاً فأتى الجبار فقيل له: إنه قد نزل هاهنا رجل معه امرأة من أحسن <br>الناس. فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي، فلما رجع إليها قال إنَّ هذا<br> سألني عنك؟ فقلت إنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وأنك أختي فلا <br>تكذبيني عنده. </strong> <strong><br><br>فانطلق بها، فلما ذهب يتناولها أخذ فقال: "ادعى الله لي ولا أضرك، فدعت له فأرسل، فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها. <br><br>فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأرسل ثلاث مرات <br><br>فدعا أدنى حشمه فقال: إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر. <br><br>فجاءت وإبراهيم قائم يصلي فلما أحس بها انصرف فقال: مَهْيَمْ، <br><br>فقالت: كفى الله كيد الظالم وأخدمني هاجر". <br><br><br><br>وقال<br> الإمام أحمد: فى رواية أخرى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله <br>عليه وسلم: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات قوله حين دعي إلى آلهتهم فقال <br>{إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وقوله لسارة <br>"إنها أختي". </strong> <strong><br><br>دخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك، أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس <br><br>قال: فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك؟ <br><br>قال: أختي <br><br>قال: فأرسل بها <br><br>فأرسل بها إليه، وقال لا تكذبي قولي فإني قد أخبرته أنكِ أختي إنْ ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك. <br><br>فلما<br> دخلت عليه قام إليها فأقبلت تتوضَّأ وتصلَّي، وتقول اللهم إن كنت تعلم إني<br> آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلاّ على زوجي فلا تسلط عليَّ الكافر، <br><br>قال: فغطَّ حتى رَكَضَ برجله. <br><br>عن أبي هريرة "إنها قالت: اللهم أن يمت يقال هي قتلته، قال: فأرسل. <br><br>قال: ثم قام إليها، <br><br>قال: فقامت تتوضأ وتصلّي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر. <br><br>قال فغطَّ حتى ركضَ برجله، <br><br>عن أبي هريرة: إنها قالت اللهم أن يمت يقل هي قتلته، قال: فأرسل. <br><br>قال: فقال في الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إليّ إلا شيطاناً أرجعوها إلى إبراهيم، وأعطوها هاجر. <br><br>قال: فرجعت فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخْدَمَ وليدة <br><br><br><br>وقوله في الحديث "هي أختي"، أي في دين الله، </strong> <strong><br><br>وقوله لها: إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك <br><br>وقوله لها لما رجعت إليه: مَهْيَمْ؟ معناه ما الخبر؟ فقالت: إن الله رد كيد الكافرين. وفي رواية الفاجر. وهو الملك، وأخدم جارية. <br><br>وكان<br> إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك قام يصلي لله عز وجل ويسأله<br> أن يدفع عن أهله، وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء، وهكذا فعلت هي <br>أيضاً، فلما أراد عدو الله، أن ينالَ منها أمراً قامت إلى وضوئها وصلاتها، <br>ودعت الله عز وجل بما تقدم من الدعاء العظيم، ولهذا قال تعالى: <br>{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} فعصمها الله وصانها لعصمة عبده <br>ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام. <br><br><br><br>ثم إن الخليل<br> عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن، وهي الأرض المقدسة التي كان <br>فيها، ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل، وصحبتهم هاجر المصرية. </strong> <strong><br><br>ثم إن <br>لوطاً عليه السلام نزح بماله من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك إلى<br> أرض الغور، المعروف بغور زغر فنزل بمدينة سدوم، وهي أم تلك البلاد في ذلك <br>الزمان، وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً. <br><br><br><br>مولد إسماعيل عليه السلام مِنْ هاجر</strong> <strong><br><br><br><br><br>قال<br> أهل الكتاب: إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة، وان الله بشَّره <br>بذلك، وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد المقدس عشرون سنة، قالت سارة لإبراهيم <br>عليه السلام، إن الرب قد حرمني الولد، فادخل على أمتي هذه، لعل الله يرزقني<br> منها ولداً. </strong> <strong><br><br>فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام، فحين <br>دخل بها حملت منه، قالوا: فلما حملت ارتفعت نفسها، وتعاظمت على سيدتها، <br>فغارت منها سارة <br><br>قالوا: وولدت هاجر اسماعيل ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة، قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة. <br><br><br><br>غير<br> أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل واشتدت غيرة سارة منها، طلبت من<br> الخليل أن يغيب وجهها عنها، فذهب بها وبولدها فسارَ بهما حتى وضعهما حيث <br>مكة اليوم. </strong> <strong><br><br><br><br>مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى أرض مكّة</strong> <strong><br><br><br><br><br>عن ابن عباس قال: "أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتخذت منطقاً لتعفى أثرها على سارة". </strong> <strong><br><br>ثم<br> جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند <br>دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء فوضعهما <br>هنالك ووضع عندهما جراباً فيه تمر، وسقاء فيه ماء. <br><br><br><br>ثم <br>قفّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم أين تذهب <br>وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مراراً؛ وجعل <br>لا يلتفت إليها، </strong> <strong><br><br>فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذا لا يضيعنا. ثم رجعت. <br><br><br><br>فانطلق<br> إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا <br>بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ <br>ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ <br>رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ <br>تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ <br>يَشْكُرُونَ}. </strong> <strong><br><br>وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء <br>حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى،أو <br>يتلبط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، <br>فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً .. <br><br>فهبطت<br> من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان <br>المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، ونظرت هل ترى <br>أحداً؟ فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات. <br><br>قال النبي صلى الله عليه وسلم "فلذلك سعى الناس بينهما". <br><br>فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت: صه، تريد نفسها. <br><br><br><br>ثم<br> تسمعت فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند <br>موضع زمزم، فبحث بعقبه، أو قال بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضُه وتقول <br>بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. </strong> <strong><br><br><br><br>قال<br> ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت <br>زمزم". أو قال: "لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً مَعِيْناً". </strong> <strong><br><br>فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن هاهنا بيتاً لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله. <br><br><br><br>وكان<br> البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله،<br> فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق<br> كداء، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر <br>ليدور على الماء،لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جريا أو جرييّن <br>فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا. </strong> <strong><br><br><br><br>قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حقَّ لكم في الماء عندنا. قالوا: نعم. </strong> <strong><br><br><br><br>قال<br> النبي صلى الله عليه وسلم: "فألفى ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا<br> وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم. </strong> <strong><br><br>وشبَّ الغلام وتعلّم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك، زوّجوه امرأة منهم. <br><br>وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل، يطالع تركته فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه؟ <br><br>فقالت: خرج يبتغي لنا. <br><br>ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ <br><br>فقالت: نحن بشرٍّ نحن في ضيق وشدّةٍ وشكت إليه. <br><br>قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. <br><br>فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ <br><br>فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا كذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة. <br><br>قال: فهل أوصاك بشيء؟ <br><br>قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غيّر عتبة بابك. <br><br>قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فالحقي بأهلك، وطلقها وتزوَّج منهم أخرى، ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله. ثم أتاهم بعد فلم يجده، <br><br>فدخل على امرأته فسألها عنه؟ <br><br>فقالت: خرج يبتغي لنا، <br><br>قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، <br><br>فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل، <br><br>فقال: ما طعامكم؟ <br><br>قالت: اللحم <br><br>قال: فما شرابكم؟ <br><br>قالت: الماء. <br><br>قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء. <br><br>قال<br> النبي صلى الله عليه وسلم: "ولم يكن لهم يومئذ حب. ولو كان لهم حب لدعا <br>لهم فيه" قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. <br><br>قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومُريه يثبت عتبة بابه. <br><br>فلما<br> جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت <br>عليه، فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا بخير. <br><br>قال: فأوصاك بشيء؟ <br><br>قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. <br><br>قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. <br><br>ثم<br> ما لبث عنهم ما شاء الله. ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نَبْلاً له تحت <br>دوحةٍ قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنعا، كما يصنع الوالد بالولد، <br>والولد بالوالد. ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، <br><br>قال: فاصنع ما أمرك به ربك، <br><br>قال: وتعينني؟ <br><br>قال: وأعينك. <br><br>قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها. <br><br>قال<br> فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم <br>يبني حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني <br>وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ <br>أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. <br><br>قال: فجعلا يبنيان، حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. <br><br><br><br><br><br>قصة الذبيح</strong> <strong><br><br><br><br><br>قال<br> الله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِي، رَبِّ <br>هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ، فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، فَلَمَّا <br>بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ <br>أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يا أبتِ افْعَلْ مَا <br>تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا <br>أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، <br>قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ <br>هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، <br>وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ<br> نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ، <br>وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِين، وَبَارَكْنَا <br>عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ <br>لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}. </strong> <strong><br><br><br><br>يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه <br>لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً، فبشّره الله تعالى <br>بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، لأنه أول من ولد له على رأس ستٍ <br>وثمانين سنة من عمر الخليل. وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل، لأنه أول <br>ولده وبكره. </strong> <strong><br><br><br><br>وقوله {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} <br>أي شبَّ وصار يسعى في مصالحه كأبيه. قال مجاهد: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ <br>السَّعْيَ} أي شبَّ وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل. </strong> <strong><br><br>فلما كان هذا رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده.و "رؤيا الأنبياء وحيٌ". <br><br>وهذا<br> اختبار من الله عز وجل لخليلهِ في أن يذبح هذا الابن العزيز الذي جاءه على<br> كبر، وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس<br> به حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك وتركها هناك، <br>ثقة بالله وتوكلاً عليه، فجعل الله لهما فرجاً ومخرجاً، ورزقهما من حيث لا <br>يحتسبان. <br><br>ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن <br>أمر ربه، وهو بكره ووحيده، الذي ليس له غيره، أجاب ربَّه وامتثل أمره وسارع<br> إلى طاعته. <br><br>ثم عرض ذلكَ على ولده ليكونَ أطيب لقلبهِ وأهون عليه، <br>من أن يأخذه قَسْراً ويذبحه قهراً {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي <br>الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}. <br><br><br><br>فبادر<br> الغلام الحليم، سر والده الخليل إبراهيم، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا <br>تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ}. وهذا الجواب<br> في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد. </strong> <strong><br><br>قال الله تعالى: <br>{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} قيل: أسلما، أي استسلما لأمر <br>الله وعزما على ذلك و قيل: أراد أن يذبحه من قفاه، لئلا يشاهده في حال <br>ذبحه، أو أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جبينه لاصقاً بالأرض. <br><br>(وأسلما) أي سمى إبراهيم وكبر، وتشّهد الولد للموت. فعندما أمَرَّ السّكين على حلْقِهِ لم تقطع شيئاً والله أعلم. <br><br>فعند<br> ذلك نودي من الله عز وجل: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ <br>الرُّؤْيَا}. أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك. <br>ولهذا قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ}. أي الاختبار <br>الظاهر البين. <br><br><br><br>وقوله: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم}. أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يَسَّرَهُ الله تعالى له من العوض عنه. </strong> <strong><br><br>والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن. قال الثوري عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً <br><br>قال سفيان: لم يزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا. <br><br>وكذا روى عن ابن عباس : أن رأس الكبش لم يزل معلقاً عند ميزاب الكعبة قد يبس. <br><br><br><br>ذكر مولد إسحاق عليه السلام</strong> <strong><br><br><br><br><br>قال<br> الله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ، <br>وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ <br>وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}. </strong> <strong><br><br>وقد كانت البشارة به من الملائكة <br>لإبراهيم وسارة، لما مروا بهما مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط، ليدمروا <br>عليهم، لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. <br><br>قال<br> الله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى <br>قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ، <br>فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ <br>مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ <br>لُوطٍ، وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ <br>وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ <br>وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، <br>قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ<br> عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. <br><br>يذكر <br>تعالى: أن الملائكة قالوا، وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل، لما <br>وردوا على الخليل، حسبهم أولاً أضيافاً، فعاملهم معاملة الضيوف، وشَوَى لهم<br> عجلاً سميناً، من خيار بقره، فلما قرّبه إليهم وعرض عليهم، لم يَرَ لهم <br>همّةً إلى الأكل بالكلية، وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى <br>الطعام (فنكرهم) إبراهيم وأوجس منهم خيفة {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً <br>قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} أي لندمر عليهم.<br> <br><br><br><br>فاستبشرت عند ذلك سارة غضباً لله عليهم، وكانت قائمة <br>على رؤوس الأضياف، كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم، فلما ضحكت <br>استبشاراً بذلك قال الله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ <br>وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} أي بشرتها الملائكة بذلك {فَأَقْبَلَتْ <br>امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} أي في صرخة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي كما يفعل <br>النساء عند التعجب. </strong> <strong><br><br><br><br>وقالت: {يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ <br>وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً} أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة <br>وعقيم أيضاً، وهذا بعلي أي زوجي شيخاً؟ تعجبت من وجود ولد، والحالة هذه، <br>ولهذا قالت: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ <br>أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ <br>الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. </strong> <strong><br><br>وكذلك تعجَّب إبراهيم عليه <br>السلام استبشاراً بهذه البشارة وتثبيتاً لها وفرحاً بها: {قَالَ <br>أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، <br>قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ} <br><br>أكدوا<br> الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما {بِغُلامٍ عَلِيمٍ}. وهو إسحاق <br>أخو إسماعيل غلام عليم، مناسب لمقامه وصبره، وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد <br>والصبر. وقال في الآية الأخرى {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ<br> إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}. <br><br><br><br>فقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا <br>بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} دليل على أنها تستمتع <br>بوجود ولدها إسحاق، ثم من بعده بولده يعقوب. </strong> <strong><br><br>وهذا إن شاء الله ظاهر<br> قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين. في حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن <br>إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي <br>مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: <br>كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركت الصلاة فصلِّ <br>فكلها مسجد". <br><br><br><br>ذكر بناية البيت العتيق</strong> <strong><br><br><br><br><br>قال<br> الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا <br>تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ <br>وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ <br>رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. </strong> <strong><br><br>وقال<br> تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ <br>مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِين، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ <br>إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ<br> الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ <br>اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}. <br><br>يذكرُ تعالى عن عبده ورسوله <br>وصفيه وخليله إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء إبراهيم عليه السلام أنه بنى <br>البيت العتيق، الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس، يعبدون الله فيه وبوّأه <br>الله مكانه، أي أرشده إليه ودلّه عليه. <br><br>وقد روينا عن أمير المؤمنين<br> علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عز وجل. وقد قدمنا في <br>صفة خلق السماوات، أن الكعبة بحيال البيت المعمور، بحيث أنه لو سقط لسقط <br>عليها، وكذلك معابد السماوات السبع، كما قال بعض السلف: إن في كل سماء <br>بيتاً يعبد الله فيه أهل كل سماء، وهو فيها ككعبة لأهل الأرض. <br><br>فأمر<br> الله تعالى إبراهيم عليه السلام، أن يبني له بيتاً يكون لأهل الأرض، كتلك <br>المعابد لملائكة السماوات، وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له، المعين <br>لذلك منذ خلق السماوات والأرض، كما ثبت في الصحيحين: "أن هذا البلد حرمه <br>الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة". <br><br>ولم يجئ في خبر صحيح، عن معصوم، أن البيت كان مبنيّاً قبل الخليل عليه السلام <br><br>وقد<br> قال الله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ <br>مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة <br>والهدى البيت الذي ببكة. وقيل محل الكعبة {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} أي على<br> أنه بناء الخليل والد الأنبياء ممن بعده، وإمام الحنفاء من ولده، الذين <br>يقتدون به ويتمسكون بسنته، ولهذا قال: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} أي الحِجْر <br>الذي كان يقف عليه قائماً لما ارتفع البناء عن قامته، فوضع له ولده هذا <br>الحجر المشهور ليرتفع عليه لمّا تعالى البناء، وعظم الفناء <br><br>وقد كان<br> هذا الحَجَرُ ملصقاً بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى <br>أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخّره عن البيت قليلاً، لئلا يشغل <br>المصلّين عنده الطائفين بالبيت، واتبع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا، <br>فإنّه قد وافقه ربه في أشياء، منها قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو <br>اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ <br>إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. وقد كانت آثار قدميّ الخليل باقية في الصخرة إلى <br>أول الإسلام حيث أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت، على قدر قدمه حافية<br> <br><br>قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ <br>الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ <br>السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ <br>ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَة